وقفه مع مقلدی الموتی

اشارة

الکتاب: وقفه مع مقلدی الموتی / المرجع الدینی الکبیر آیة الله العظمی الشیخ بشیر حسین النجفی(دام ظله)

المطبعة: دار الضیاء للطباعة

زبان: عربی

مشخصات ظاهری: 45 ص

موضوع: فقه استدلالی

قطع: جیبی

تعداد جلد: 1

ناشر: مؤسسة الأنوار النجفیة للثقافة و التنمیة

تاریخ نشر: 1429 ه ق

نوبت چاپ: اول

مکان چاپ: نجف اشرف- عراق

ص: 1

اشارة

وقفه مع مقلدی الموتی

ص: 2

وقفه مع مقلدی الموتی

المرجع الدینی الکبیر آیة الله العظمی الشیخ بشیر حسین النجفی(دام ظله)

ص: 3

ص: 4

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِِ

ص: 5

ص: 6

مقدمه

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِِ

لما کثر الاستفسار عن وجه إصرار سماحة آیة الله المرجع الدینی الکبیر الشیخ بشیر حسین النجفی (أدام الله ظله علی المسلمین), علی عدم جواز البقاء علی تقلید المیت مع إصرار جملة من أجلاء العصر علی الجواز, طلبت من سماحته أن یتفضل بالإشارة إلی

ص:7

وجه إصراره, فتفضل علینا برؤوس أقلام ما ألقاه فی مجلس بحثه.

وأقدمه للمؤمنین؛ لیزدادوا تبصّراً وبصیرة أعاننا الله والمؤمنین کافة علی العلم والعمل إنه ولی التوفیق.

الشیخ جمیل القریشی

ص:8

بسم الله الرحمن الرحیم

أحمده سبحانه علی آلائه, وأستعینه علی شکر نعمائه, وأصلی علی حبیبه محمد وآله وأتقرب إلیه تعالی وإلیهم بالبراءة من أعدائهم وأعدائه.

وبعد... فقد کثر السؤال والقیل والقال, حول ما وصلت إلیه قناعتی من عدم جواز تقلید المیت استدامة, کما لا یجوز ابتداءً اتفاقاً. ولعل المنشأ فی الحیص والبیص أن معظم

ص:9

أجلاء العصر, والذین ارتحلوا من الدار الفانیة, والتحقوا بالذین سبقوهم إلی جنات الخلود واختار لهم الله سبحانه مرافقة الأبرار فی دار أصفیائه, مثل الأستاذ الأعظم السید أبی القاسم الخوئی (نوّر الله ضریحه), وحکیم الفقهاء وقدوة الأجلاء السید محسن الحکیم, قد جوّزوا البقاء علی تقلید المیت بشکل أو بآخر. بطریقة أو بأخری, ومن ثَمَّ ألحّ علیّ بعض الأحبة أن ألخّص له وجه عدم تمامیة الوجوه التی دعت أولئک الأفاضل إلی

اعتقاد جواز

ص:10

البقاء, فلبّیت طلبه, متوکلاً علیه سبحانه ومنه التوفیق والتسدید.

لا ینبغی الریب فی أن مقتضی الأصل عدم اعتبار فتوی من لم یتم الدلیل علیه کما هو شأن کل مشکوک الحجیة؛ فإن مجهولها یلازم أو یستلزم الجزم بعدمها, أو بعدم تنجزها, أو أن الشک فیها یساوق عدمها، فالمهم هنا الإیماء إلی مواضع الخلل فی أدلة المجوزین. وأوجهُها أمران:

الأول: استصحاب جوازه المتقرر فی حیاة المفتی

ص:11

والإشکال علیه بزوال الاعتقاد الذی هو مصبّ التقلید وموضوع الجواز بالموت، بل عن الوحید البهبهانی(رحمه الله) إنمحائه لدی النزع متشبثاً بأن الزوال بالموت أولی منه بالغفلة((1)), یشبه المصادرة؛ فإن الغفلة عبارة عن زوال الصورة عن العاقلة, والنسیان انمحائها عنها وعن الحافظة, علماً بأن الموت عبارة عن انفصال النفس عن البدن أو عن تفرق الأجزاء -- کما قیل -- أو عن تفکّک البنیة, کما تشیر إلیه

ص:12


1- -- نقله عنه محمد حسین الأصفهانی فی رسالته الاجتهاد والتقلید ص15.

قصة إبراهیم(علیه السلام)((1)), ومشاهدة عزیر(علیه السلام)((2)) أو عن فنائها مع أحد المذکورات, فأین هذا من الغفلة والنسیان؟ کما إن الإشکال بالغفلة لا یخلو عنها فإن العلم لا یزول معها، فلا تغفل.

وأمّا ما أفاده بعض العباقرة، من أن الجسم بما هو جسم, کل جزء منه یغیب عن الجزء الآخر, فضلاً عن غیره, فلا معنی لأن ینال شیئاً

ص:13


1- -- قوله تعالی: رب ارنی کیف تحیی الموتی.... الخ.
2- -- قوله تعالی: أو کالذی مر علی قریة وهی خاویة علی عروشها... الخ.

ویدرکه, فتوهم کون النفس جسماً سخیف جداً، أولاً وأمّا کونها جسمانیة, فنقول:

قد بُرهن علیه فی محله أن العاقلة, بما هی مدرکة للکلیات وبما هی عقل بالفعل, لا تحتاج إلی مادة جسمانیة, لا فی ذاتها ولا فی فعلها، فالنفس فی أول حدوثها, حیث إنها إنسان طبیعی بشری تحتاج إلی مادة جسمانیة, لکنها عقل هیولانّی, فإذا خرجت من القوة إلی الفعل ومن المادیة إلی الصوریة, فلا محالة هی غیر مرهونة بمادة, فهی بهذه المرتبة خارجة

ص:14

عن عالم المواد ودار الفساد؛ فلذا لا خراب لها بخراب البدن...الخ((1))

ففیه أن النزاع لیس فی کونها مجردة أو جسمانیة, وإنما هو فی بقاء الصورة القائمة بها أو الحاصلة لدیها بعد الموت, مع الالتزام بزوالها بالنسیان, بل بالغفلة علی قول, کما عرفت.

وإمکان تجردها بعد الرقی إلی العقل بالفعل لا یستلزم ضرورة البقاء, ولا سیما بعد اعتراف من جاوز تلک المرتبة وبلغ درجة

ص:15


1- -- محمد حسین الأصفهانی: الرسالة فی الأجتهاد والتقلید.

المستفاد, بل فوقها خصوصاً مع شهادة علاّم الغیوب لحصول النسیان لأولئک الأنفس القدسیة.

وأمّا تصویب إمکان زوال الصور عن العاقلة, مع کون القضایا التی یدرکها المجتهد کلیة, وقابلة للتجرید التام, بحیث تدخل فی الکلیات المجردة القائمة بالعاقلة, تارة بأنّ الأذهان المتعارفة تنتقل من الإحساس بالجزئیات إلی صورها الجزئیة فی الوهم والخیال, فهی مجردة عن المادة فقط, لا عن الخصوصیات والهیئات الحافة بالجزئیات

ص:16

المحسوسة، ومجرد قبول المدرکات للتجرید التام لا یجعلها مجردة داخلة فی المعقولات الکلیة الباقیة ببقاء العاقلة, بل لا بد من إثبات تجرد قوتی الوهم والخیال...الخ((1))

فغریب أولاً: أن کلیة القضیة إنما هی لکلیة الموضوع وعمومه لا من جهة النسبة الحکمیة أو الحکم اللذین لا یتصور فیهما العموم أو الکلیة وهما محل الکلام ولیس الموضوع أو المحمول وإن کانا طرفیها، ومن هنا التفرقة بین الأذهان المتعارفة وغیرها فی غیر محله.

ص:17


1- -- محمد حسین الأصفهانی: المصدر السابق.

وثانیاً: کون المدرک جزئیاً لا یلازم زوالها وفناءها فمعلومات المبادئ سرمدیة, بلا فرق بین کلّیها وجزئیّها.

وتارة أخری بأن آراء المجتهد, وإن فُرضت کلیة قابلة للقیام بالعاقلة إلا أنها غالباً منبعثة عن مدارک جزئیة من آیة خاصة أو روایة مخصوصة لا قیام لهما إلاّ بغیر العاقلة وتلک الآراء لا تکون حجة إلاّ إذا کانت مستندة إلی المدارک بقاءً کما کانت حدوثاً. فکما أن قیامها بالمجتهد مع زوال مدارکها بالمرة یخرجها عن الحجیة فی حال حیاته,

ص:18

کذلک إذا زالت مدارکها بزوال القوة المدرکة لها؛ لأن المفروض عدم تجرد ما عدا العاقلة المدرکة للکلیات,

فلا مناص من الإلتزام بتجرد قوتی الوهم والخیال المدرکتین للصورة الجزئیة تجرداً برزخیاً الخ.

وفیه أن الکلیة فی الأطراف لا تعنی کلیة الحکم والنسبة, کما عرفت - مضافا إلی أن المدارک إنما تکون مناشئ للاعتقاد والحکم الحاصل لدی الفقیه.

ص:19

ویکفی فی استمراره فی نفسه العلمُ, أو ما یقوم مقامه بعدم رفع الشارع یده عن المنشأ, بل یکفی عدم العلم بالرفع.وإلی أن الآیة أو الروایة إنما تشکّل معدّاً للإعتقاد, والسبب فیه هو النظر والفکر بالتحلیل والتقسیم والتنسیق والتحدید والبرهان. ومن الواضح زوال تفصیل تلک الأمور, بل زوال أعیانها مع استمرار الإعتقاد, ولا جرم فیه, حیث التحقیق أنّ العلة المحدثة عالم الإمکان غیر المبقیة.

ص:20

وإلی أنّ هذه الأوهام من الخلط بین الموضوع ومصب الحکم فی المقام, وبین غیره علی ما ستطلع علیه إن شاء الله.والتحقیق فی تشخیص الموضوع ومصبّ الحجة علی المقلِّد فیه احتمالات:

منها: أنه ظنون المجتهد وإدراکاته للحکم الواقعی, وعلیه یُحتمل بقاؤه, فیٌستصحب, ویترتب علیه جواز التقلید وانکشاف الواقع بالشهود؛ لأجل الورود علی الرب الودود, لا یضر؛ لأن انقلاب ظنه إلی القطع خروجٌ من النقص إلی الکمال ومن الضعف إلی القوة, او

ص:21

من القوة إلی الفعل وفی مثله لا یری البعض بأساً فی التمسک بالاستصحاب, وإن کان الحق خلافه. مضافاً إلی عدم شمول أدلة جواز التقلید للاعتقادات الحاصلة من طرق غیر طبیعیة.

ومنها:

الاعتقاد من انکشاف الواقع بالمثول أمام الشارع والاطلاع علی حقیقة المجعول مع أن الموضوع فی لسان الأدلة ذات الفقیه؛ فإن مفاد جمیعها رجوع الجاهل إلی العالم, کما ستأتی الإشارة إلیه.

ص:22

ومنها:

أن یکون مصبّ الحجة قطع المجتهد بالحکم الظاهری المماثل للواقعی, وعلیه لا یبقی المجال, لتوهم الاستصحاب نظراً لانتفائه حتماً, حتی مع الجزم ببقاء القوة المدرکة لانکشاف الحقائق, کما هی علیها المستلزم لارتفاع الحکم الظاهری من اندثار الشک فی الواقع الذی هو موضوع الحکم الظاهری, والحکم المستفاد فی الظاهر المطابق للواقع یزول القطع به أیضاً؛ فإن الناشئ من الأدلة والنظر فیها غیر الحاصل بالشهود, فافهم.

ص:23

مضافاً إلی بطلان المبنی, فإن جعل الحکم المماثل فی مورد الاستصحاب قد أوضحنا فی محله فساده, بل لا وجه معقول لفرض الحکم الظاهری مقابل الواقعی المؤدی إلی نوع من التصویب .

ومنها:

أن الموضوع نفس المجتهد, باعتبار الوصف العنوانی حیثیة تعلیلة أو تقییدیة. ویُبطِل الثانی الجزمُ بدخالة الأوصاف النفسانیة, کالملکة الاستنباطیة والعدالة, سواء اعتبرناها ملکة, کما علیه المعظم أو فسرناها بنفس الاعتدال فی السلوک والالتزام بجادة الصواب,

ص:24

کما استصوبه البعض, أو أنها عبارة عن رسوخ العقیدة السلیمة التی تبعث علی

الالتزام بالطاعة والاجتناب عن المعصیة. وکذلک معظم الشرائط الملتزمة لدی المعظم فی حجیة الفتوی, کطهارة المولد, والذکورة, والإسلام, والإیمان, والحیاة فی التقلید البدائی المُستدام.

ومجمل القول: مورد الاعتبار الشرعی, إمّا ذات الفقیه فی زمان حصول إذعاناته المستحصلة من الأدلة الشرعیة, أی وجوب تقلیده فی جمیع أوقات حصول تلک الاعتقادات لدیه, بحیث یکون الحکم مستنداً

ص:25

إلی الذات, وتکون تلک الاذعانات مجردَ طرفٍ إجمالاً, ولا یکون لها دخل أو تأثیر فی ثبوت الحکم، وهو واضح الفساد.

وإمّا أن تکون تلک الإذعانات شرطاً من دون أن یکون لها مدخل فی الحکم, بحیث یکون مصبّه مجموع الذات, وتلک الاعتقادات فتکون جزءَ الموضوع. ومن المعلوم أن الموضوع بجمیع أجزائه بالنسبة إلی محموله لا بشرط, وهو المعبر عنه لدیهم بشرط الوصف، ولا یمانع من التعبیر بالحیثیة التقییدیة بهذا المعنی.

ص:26

وإمّا أن یکون الموضوع نفس المجتهد؛ لأجل تلک الاعتقادات, فتکون منشأ للنسبة وعلة لها وتدور مدارها. وهو وإن أمکن تصویره فی الأحکام العرفیة والعقلانیة والعقلیة, إلاّ أن تصویرها فی الشرعیات لا یخلو من خفاء, نظراً إلی امتناع إسناد العلیة فی الأحکام الشرعیة والمجعولات الإلهیة إلی غیره سبحانه, والصدور ممّن خُوِّل الأمر إلیه منه سبحانه حقیقةً مستند إلیه تعالی؛ فإنّ فعل الوکیل أو النائب فی لُبّه مستند إلی الموکِّل والمنوب عنه, وما یصدر من العبد المأمول

ص:27

المطیع بإرشاد المولی واستعباده منه؛ لمصلحته, وتحقیق غرضه مسند إلیه((1)).

والعلة المادیة الفاعلة والصوریة لا معنی لها؛ إذ لیس وجوب التقلید-- بمعنی النسبة الحکیمة -- مؤلَّفاً من تلک الاعتقادات وذات الفقیه, ولا یُشکّل شیء منهما هیئته أو فعلیته، وکونها غایة واضح المنع؛ إذ المعتبر فیها التقدم علی ذیها فی التصور. علی أن تکون متممة

ص:28


1- -- ولعله المراد من قوله سبحانه: ما رمیت إذ رمیت ولکن الله رمی وقوله: إن الذین یبایعونک إنما یبایعون الله. وقوله: لا یسبقونه بالقول وهم بأمره یعملون.

لفاعلیة الفاعل، والتأخر علیه فی الوجود الخارجی أو فی النفس الأمری. ومن الضروری فقدان کلا الشقین فی المقام، وعلی هذا الأساس وغیره لم نستبشع من بعض الأجلة التعبیر بالعلة عن الموضوع. مضافاً إلی أنه لیس فی لسان الأدلة ما یشیر إلی العلیة بنحو من الأنحاء((1)).

ص:29


1- -- وما جاء فی مثل علل الشرایع للصدوق ما هی إلا الحکم والمصالح جری علی لسان الأئمة للتقریب والاقناع رفقاً منهم علیهم السلام علی ضعفاء العقول من الشیعة کما یرشد إلیه عدم الطرد والعکس فیها.

نعم لا بأس فی الالتزام بأن وجود هذه الإذعانات تخلق فی الفقیه قابلیة وأهلیة, لأن یکون موضوعاً .

ثم النظرة الشمولیة فی أکناف الأدلة تبعثک علی الجزم بأنه لیس الموضوع نفس تلکم الإذعانات بوحدها, فمثل قوله تعالی: }فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّکْرِ إِن کُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ{((1)) وقوله تعالی: «فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن کُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّیَتَفَقَّهُواْ فِی الدِّینِ وَلِیُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَیْهِمْ»(2))

ص:30


1- -- سورة الأنبیاء الآیة 7 -- وسورة النحل الآیة : 3- 4.
2- -- سورة التوبة : الآیة 133.

وقوله(علیه السلام): ((أنظروا إلی رجل منکم یعلم شیئاً من قضایانا وعرف

أحکامنا....الخ))((1)) وقوله(علیه السلام): ((أمّا الحَوَادثُ الواقعَةُ فأرْجعُوْا فیها إلی رواةِ أحادیثنا فإنّهم حُجَّتی علیکم وَأَنَا حُجَّةُ الله علیهم))((2)) وقوله(علیه السلام): ((فأمّا من کان من الفقهاءِ صائناً لنفسِهِ حافظاً لدینهِ مخالفاً لهواهُ مطیعاً لأمر مولاهُ فلِلعوامِ أنْ یُقلّدوه))((3)).

ص:31


1- -- الوسائل ب11 من ابواب صفات القاض . نقل بالمعنی.
2- -- الوسائل ب11 من أبواب صفات القاضی ج9.
3- -- الوسائل ب10 من أبواب صفات القاضی ج20.

وهو القدر المستفاد من الأوامر بإرجاع العوام إلی أحاد الأصحاب, مثل: ((لا أکادُ أَصِلُ إلیکَ أسألُکَ عَنْ کلِّ ما أحتاجُ إلیهِ مِنْ معالمِ دینی أفَیُوْنسُ بُن عبدِ الرحمنِ ثقَةٌ آخُذُ منه ما أحتاج من معالم دینی فقال: نعم))((1)).وقال علیّ بن المسیب الهمدانی قلت للرضا(علیه السلام): شقتی بعیدة ولست أصل إلیک فی کل وقت فممن آخذ معالم دینی؟ قال(علیه السلام): من زکریا بن آدم القمی, المأمون علی الدین والدنیا((2)).

ص:32


1- -- الوسائل ب11 ح33 -- 34- 35.
2- -- الوسائل ب11 من صفات القاضی ح27.

وقوله(علیه السلام) لأبان بن تغلب:

اجلس فی مجلس المدینة وافت الناس فإنی أحب أن یری فی شیعتی مثلک((1)).

وهذه النصوص کما تری تنادی بما لا یبقی معه مجال للإمتراء بأنّ الموضوع لیس نفس المعتقدات, وان ذات الفقیه بوصفه العنوانی مصب الحکم.ودعوی أن الاعتقادات المستندة إلی الفقیه موضوعٌ, لا ینبغی أن یصغی إلیها؛ فإن تجرید

ص:33


1- -- رجال النجاشی ص252 -- 253 ط طهران.

العنوان عن المعنون بالنظر إلی ما هو المستفاد من الاستدلال بمثل التوقیع الرفیع, ومقبولة عمر بن حنظلة, وروایة الاحتجاج (مع ملاحظة أن نظر المعنون بما له من الصلاحیة الفکریة فی شؤون المرجعیة الملازمة لاعتبار فتواه فی حقه وحق غیره). ممّا لا یرجع إلی محصّل .کما أن اعتبار الصفات النفسانیة, کالصون ومخالفة الهوی وغیرها علیه یصبح بمعزل عن مصبّ الحکم.

وأما السیرة العقلانیة الارتکازیة, حیث إن الملموس منه الالتزام برجوع الجاهل إلی العالم

ص:34

فی کل صنعة وحرفة, وفی کل ما یتعلق بالمعاش والمعاد والدین والدنیا, مع الإمضاء من المولی المُکتشف من عدم الردع, مع تمکنه منه سادات المجتمعات علی اختلاف صنوفها وعاداتها ومشاربها وطبائعها, مما یدفع الناظر إلی الجزم بالإمضاء، فهی أیضاً لا تُفید الخصم؛ فإن المسلم والقدر المعترف من مواردها, إنما هو الرجوع إلی نظر أهل الخبرة والاطلاع فی کل مورد, وما یتراءَ من الاستمرار فی استعمال الدواء الذی وصفه الطبیب, مع فقدانه الحیاة إنّما هو مثل تنفیذ الحکم الصادر من القاضی بعد

ص:35

موته, والالتزام بالحکم, ونحوه مع موت الحاکم بُعَیدَ الحکم, فتأمل تعرف مدی الخلط فی الکلمات؛ فإن النظر الذی هو أساس الوصفة, ونحوها الموضوع فیه قد افتقِد. وهو عبارة عن النقوش الحاکیة عن الحاکی المرتکز فی ذهن الطبیب المتعلق بموضوع شخصی خارجی, وهو لدی العقلاء, کالخبر الحاکی عن الموضوعات التی یجب الالتزام بمفاده, ما لم یردع عنه ساطع البرهان, بخلاف نقوش الفتوی الحاکیة عن الحاکی عن النظریات الناشئة عن النظر والفکر, هذا مضافاً إلی أن المسلَّم لدی

ص:36

الخاصة عدم جواز تقلید المیت ابتداءً, بحیث أصبح من سماتهم. فإن کان الموضوع نفس الإذعانات, فلا وجه للعدول عن اعتقادات أعلم الموتی إلی غیره من الموتی والأحیاء والتثبت بالإجماع بمثابة اعتراف الخصم بالهزیمة؛ فإن المسألة لم تعنون فی کلمات القدماء, ودعواه فی مثله یشبه استعانة الغریق بالحشیش .

ثم أن دعوی بقاء الإذعان الذی هو فعل من أفعال النفس لا ترجع إلی معنی محصل؛ فإنه آنِیٌّ فانٍ.

ص:37

والتخلص بأن الموضوع إدراک الاعتقاد, أو الإذعان لا یتمّ؛ لأنه لا یختص بالمعتقد والالتزام بالتقید بالمعتقد یعید

الإشکال. کما أنه مع فنائه یصبح جهلا مرکباً. کما أنه عدول عما هو معنی الاجتهاد.

ومع التنزل عن الکل ودعوی شمول السیرة لصورة الخلاف بین الحی والمیت الذی هو مورد البحث والابتلاء ما لا دلیل علیه, بل الدلیل علی العدم. ودلیل الانسداد لو تم, فالمتیقن منه لزوم العمل باعتقادات الحی, کما أنه لا وجه للعمل بالظن بمطابقة الإذعانات

ص:38

المستصحبة مع توفّر الظن بمصادفة الاعتقادات الفعلیة فإنه یفتقر إلی حجة أخری غیر دلیل الانسداد، مضافاً إلی أن دلیل الانسداد لا یتم فی حق المقلد؛ لعجزه عن إحراز انسداد الباب العلمی لتوقفه علی الفحص عن الدلیل الخاص علی اعتبار طریق غیر الظن یُمکَّنه من إحراز الأمان من العقاب علی مخالفة الواقع المجهول. وکفایة فحص الفقیه نیابة عنه لا دلیل علیها علی أن القدر المتیقن هو ما إذا قام الحی بالفحص, والاکتفاء بفحص المیت دوریّ, ومضافاً إلی أن مسألة التقلید لیست تقلدیة وإلا

ص:39

لزم الدور أیضاً. وأیضاً کیف یحصل للمکلف الظن بمطابقة ظن المیت للواقع مع مخالفته لظن الحی ولا سیّما إذا کان أعلم من المیت. الأمر الثانی: التشبث بالاطلاقات, مثل الآیات والروایات المتقدمة, بتوجیه أنها وإن کانت ظاهرة بل صریحة فی أن المسؤول منه هو الحی, غیر أنها مطلقة من جهة أنه لا ظهور لها فی توقف وجوب الحذر ووجوب القبول بعد الجواب والاعتماد بعد إظهار الرأی علی حیاة المنذر والمجیب, حال التحذّر والقبول.

ص:40

وفیه مع قبول ما ذُکِرَ أن المنصرف إلیه فی تلک النصوص وجوب القبول والتحذّر, والاعتماد والتقلید لمن یتمکن من الجواب والتحذیر والإنذار ویصلح للاعتماد علیه والتقلید. والمیت لا یصلح لشیء منه, ودعوی الجزم مصادرة، مضافاً إلی توقف شمول الإطلاقات علی ثبوت الرأی لدی العمل أو الالتزام, وقد عرفت ما فیه.

ولا یخفی أیضاً أن إمکان تقّید النصوص بمثل قوله: اعمل علی طبق الاعتقاد السابق الزائل، لا یغنی شیئاً؛ فإن الحکم بجواز التقلید

ص:41

یتطلب فعلیة الرأی، بل بناءً علی التقلید بالعمل ولو بنحو اتخاذه رکناً أو قیداً منه تفسیر کان کل فعل وکل عمل حین حصوله تقلیداً مستقلاً ورجوعاً مستأنفاً من العامی إلی الفقیه، فلا بد من تقدیر وجود الرأی والاعتقاد حین العمل دائماً، فاقض عجباً ممن یفسره بنفس العمل ثم یتمسک بالإطلاق((1)).

ثم لا ینبغی الشک فی أن الخلط بین حجیة الفتوی وحجیة الخبر دفع بعضهم إلی الالتزام

ص:42


1- -- محمد حسین الأصفهانی فی الاجتهاد والتقلید. السید الخوئی فی مباحثه الأصولیة.

بجواز البقاء مع الاعتذار عن عدم جوازه فی الابتداء بالإجماع.

ومما یدفع الإطلاق فی المقام أن مورد البحث ما إذا اختلف الحی مع المیت فی الفتوی وقد قرر عدم شمول أدلة الاعتبار مع الاختلاف.

وأیضاً إن المقصود إمّا الإطلاق من حیث الأحوال, وإما من وجهة الأفراد. والثانی یتوقف علی أخذ الزمان قیداً, وهو مع عدم ملائمته مع الذوق ما لم یقم علیه دلیل خاص یمنع من الاستصحاب. فالجمع بینهما من

ص:43

الغرائب، وأما الأول, فیتوقف علی اعتبار الموت والحیاة من الطوارئ, وفیه مع ما عرفت أنهما من الوجود والعدم، والکون والسلب, والأیس واللیس.ومن هنا تعرف شناعة الاعتقاد بجواز تقلید المیت ابتداءً الذی یناسب مبانی المصوّبة, حیث إن نظریات الفقیه حینئذٍ باقیة کبقاء الشرع؛ لأنها مجعولات شرعیة، وبطلان المبنی والمبتنی علیه یدفع إلی الاعتقاد بخراب البناء.

هذا ملخص الوجوه المُومیة إلی الخلل المتخیّل فی وجوه دعوی جواز البقاء, فضلاً

ص:44

عن الابتداء فی تقلید المیت عصمنا الله والمشتغلین کافة فی خدمة شریعة سید المرسلین فی القول والعمل من الخطأ والزلل إنه ولی الصالحین, والسلام علیه وعلی ذریته الطیبین الطاهرین.

ص:45

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.